تقرير: أمل سعداوي
مسيّرتان وثلاث إصابات تعرض لها عصام وعائلته خلال رحلة نزوحهم التي امتدت لـ 21 كيلومترًا من حي النصر شمال غزة، وصولاً إلى مدينة الزوايدة جنوبًا، مارّين بحي الصبرة (أحد أحياء غزة القديمة)، مشيًا على الأقدام فرارًا من قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي للأحياء والمناطق التي يتواجدون فيها، واستمرارًا لأطول حرب إبادة يتعرض لها سكان قطاع غزة، منذ 7 من أكتوبر الماضي؛ حيث تدخل الحرب شهرها الـ 11 على التوالي.
أُصيب عصام ثلاث مرات خلال نزوحه برفقة عائلته (زوجته وشقيقه وزوجة شقيقه) من حي النصر؛ الأولى حين كُسرت يده أثناء النزوح، والثانية حين أصابته شظايا صاروخ في خاصرته، قبل أن يُصاب للمرة الثالثة برصاصة في البطن، جراء استهداف جيش الاحتلال للمناطق المحيطة.
تعافى عصام من إصابته الأولى، لكنه لم يُعالج إصابته الثانية إلا بعدما أصيب بالثالثة، لعدم وجود أماكن في المستشفيات المتواجدة قرب مدينة الزوايدة، جنوب قطاع غزة، وهو ما أدى إلى تدهور حالته الصحية.
مناشدات عدة أجرتها عائلة عصام مع المستشفيات، قبل أن يتدخل أحدها لإخراج الرصاصة من بطنه. تحكي سارة زوجة شقيق عصام: “ما حدا احتجزه في المستشفى، ما في مكان يقعدوا فيه.. بالعافية الدكاترة قدروا يشوفوه واستخرجوا الرصاصة منه”.
تلتمس سارة العذر لأطباء المستشفى في التأخر عن علاج زوجها نظرًا للأعداد الكبيرة للمصابين والجرحى، وهو ما جعلها تصبر على وعكتها الصحية؛ إذ تعاني من تورم شديد في القدم، علاوة على حملها في شهرها السابع وسط انعدام الرعاية الصحية اللازمة لها ولجنينها، وهو ما يعرض حياتها وجنينها للخطر؛ في ظل انتشار الأمراض المعدية في المخيمات نتيجة تدني مستويات النظافة.
موت مترقب
عصام واحد من 93 ألف مصاب في غزة، بينهم أكثر من 6 آلاف طفل، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، يعانون أوضاعًا صحية كارثية جراء عدم توفر الرعاية الطبية في غزة، وتصاعد هجمات جيش الاحتلال على المنظومة الصحية، وتوقف معبر رفح عن العمل بعد سيطرة جيش الاحتلال عليه منذ 7 من مايو/أيار 2024، ووقف عبور المصابين من غزة إلى مصر لتلقي العلاج، بحسب المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى، خليل الدقران.
فاقم الوضع سوءًا خروج 24 من أصل 38 مستشفى حكوميًا وأهليًا عن الخدمة، ويتبقى 14 مستشفى فقط يعمل بشكل جزئي، كما توقف 80 من أصل 90 مركزًا صحيًا عن العمل، ودُمرت أكثر من 130 سيارة إسعاف، بحسب تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية صدر مطلع أغسطس الجاري.
خروج المعبر من الخدمة
لم يكن معبر رفح منفذًا لعبور المصابين إلى مصر للعلاج فقط، لكنه نقطة مرور المساعدات الإغاثية القادمة لغزة، تشمل المعدات الطبية والأدوية، إضافة للغذاء والمياه والوقود. فبحسب إحصائيات الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل لاجئي فلسطين)، دخل قطاع غزة منذ اندلاع الحرب حتى مطلع مايو الماضي، ألف و308 شاحنات تحمل معدات طبية من إجمالي 25 ألفًا و338 شاحنة، بينها 958 شاحنة دخلت عبر معبر رفح، مقابل 323 شاحنة دخلت عبر معبر كرم أبو سالم. ومنذ 7 من مايو، لم يدخل قطاع غزة سوى 216 شاحنة أغلبها محملة بمواد غذائية وطعام، وصلت القطاع عبر معبر كرم أبو سالم.
وقد أحرقت قوات الاحتلال الإسرائيلي في الـ 17 من يونيو الماضي، صالة المغادرة وعددًا من مرافق معبر رفح من الجانب الفلسطيني، بعد 40 يومًا من السيطرة عليه، ما تسبب في غلق الشريان الرئيس للحياة في قطاع غزة.
وقد تصاعدت حدة الخلاف بين مصر ودولة الاحتلال حول إدارة المعبر من الجانب الفلسطيني؛ حيث ترغب القاهرة إدارة فلسطينية للمعبر، بينما ترغب دولة الاحتلال في إدارته من قبل أشخاص لا ينتمون إلى حركة حماس.
قبل إغلاق معبر رفح، خرج 5 آلاف مُصاب للعلاج ( 8 % فقط من إجمالي المصابين المسجلين)؛ فيما بلغ عدد المصابين الواجب علاجهم خارج القطاع 25 ألفًا
وذكر موقع “أكسيوس” الأمريكي، أن ممثلي دولة الاحتلال اجتمعوا خلال يوليو الماضي مع المبعوث الأمريكي بريت ماكغورك، ومدير الشاباك رونين بار، وأمين سر منظمة التحرير حسين الشيخ، ومدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، لمناقشة إعادة فتح المعبر كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار، ويُعد هذا الاجتماع هو الأخير حتى الآن. ولم تحضر مصر الاجتماع بسبب تمسكها بانسحاب قوات الاحتلال من الجانب الفلسطيني من المعبر.
92 ٪ من المصابين في خطر
قبل إغلاق معبر رفح، خرج 5 آلاف مُصاب للعلاج (8% فقط من إجمالي المصابين المسجلين)؛ فيما بلغ عدد المصابين الواجب علاجهم خارج القطاع 25 ألفًا، وهى حالات قابلة للعلاج في مراكز متخصصة خارج القطاع، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية.
وكان عصام من بين هؤلاء المصابين الواجب خروجهم للعلاج خارج القطاع لعدم استقرار حالته الصحية، لعدم توفر الإمكانيات لعلاج جرح بطنه بالشكل المطلوب.
أطفال ينتظرون العلاج
بخلاف عصام، التقت “المهاجر” بـعلي صاحب الـ 10 سنوات، وهو أحد قاطني مدينة دير البلح، أصيب بعدة شظايا في الرئة والكبد وذراعه الأيسر، ويحتاج ذراعه الأيمن لعملية جراحية عاجلة، ولا يتمكن من إجرائها بسبب ضعف الإمكانيات الطبية داخل القطاع، ويحتاج لإجرائها خارجه.
يقول “علي” خلال حديثه مع “المهاجر”: “كنت جنب المدرسة، ضربوا قذيفة وقعت الشظايا عليا، أصبت بـ 3 شظايا على الرئة وشظية على الكلى، وكسور في إيدي، ومحتاج عملية وإيدي كلها شظايا، وفي إصابة بركبتي محتاج أطلع برة فلسطين علشان أعمل العملية”.
“علي” واحد من 3 أطفال مصابين تحدثت معهم “المهاجر” داخل مستشفى شهداء الأقصى، ويحتاجون لتدخل جراحي طارئ، تتنوع إصاباتهم بين بتر وإجراء عمليات جراحية. أصيبت سمية إسماعيل صاحبة الـ 10 سنوات من مخيم البريج، بشظايا، وتعرضت لبتر يدها اليمنى أثناء نزوحها من مدينة غزة إلى مدينة دير البلح، وآلاء البالغة من العمر 14 عامًا كانت في طريقها إلى بيت جدها، قبل أن تقصف قوات الاحتلال الإسرائيلي بيتًا مجاورًا لمنزل جدها أسفر عن إصابات بالغة، نتج عنها بتر معصمها الأيمن وجروح خطيرة في قدميها، وتحتاج لإجراء عملية وتركيب طرف صناعي.
أقرأ أيضًا| “يتضرر 6 ملايين شخص”.. كيف يؤثر قطع تمويل الأونروا على ملايين اللاجئين الفلسطينيين؟
توقف العمليات الجراحية
توقف المعبر عن العمل، لم يؤثر على “عصام وعلي” بمفردهما، ولكنه دفع مدير مستشفى العودة، الدكتور محمد صالح، 18 من أغسطس/ آب 2024، للإعلان عن تأجيل جميع العمليات الجراحية في المنشأة، مناشدًا تسليمهم الوقود بشكل عاجل لتجنب المزيد من الخسائر في الأرواح. وبالمثل عانت مستشفى كمال عدوان (تتواجد في مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة) من أخطار توقف العمليات الجراحية، جراء نقص الوقود والإمدادات الطبية؛ فيما تحاول منظمة الصحة العالمية وشركاؤها توفير الوقود.
فيما حذرت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني من أن سيارات الإسعاف والعيادات الطبية الطارئة، وخدمات الإغاثة التابعة لها معرضة لخطر التوقف في شمال غزة بسبب نقص الوقود؛ حيث تعمل فرقها بالفعل بأدنى طاقة، ولا تعمل حاليًا سوى سيارتي إسعاف من أصل ثماني سيارات.
يصف خليل الدقران، المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى، الواقعة جنوب مدينة دير البلح، الوضع داخل المستشفى الذي تعرض محيطها للقصف أكثر من 3 مرات ويعمل بشكل جزئي، قائلًا: “يُعاني المستشفى من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود؛ ما يهدد عمل الطواقم الطبية ويعرض حياة المصابين إلى الموت؛ خاصة من هم بحاجة إلى الخضوع لعمليات جراحية عاجلة”.
يُضيف الدقران لـ “المهاجر”، أن بعض الأجهزة بالمستشفى خرجت عن الخدمة، بينها جهاز الرنين المغناطيسي، ذو الأهمية البالغة في علاج المرضى، كما واجهت المستشفى نفاد الوقود وانقطاع التيار الكهربائي مرتين، اعتمدت فيهما على الطاقة الشمسية حتى تدبرت أمر الوقود المعرض للانتهاء في أي لحظة.
يلعب جهاز الرنين المغناطيسي دورًا حاسمًا في تشخيص الحالات المرضية الحرجة؛ إذ يقدم للطبيب معلومات دقيقة وواضحة عن حالة الأعضاء الداخلية؛ ما يُمكن الأطباء من اتخاذ قرارات علاجية سريعة ومدروسة؛ خاصة في الحالات التي تكون فيها الفحوصات المخبرية غير كافية لتقديم تشخيص كامل، وعدم توافره يعني تدهور حالات المرضى نظرًا لعدم قدرة الطبيب على التشخيص الدقيق، بحسب الدكتور رامي حيدر، نائب مدير عام الرعاية الأولية للصحة العامة في غزة، خلال حديثه مع “المهاجر”.
أما عن حالة المرضى داخل مستشفى شهداء الأقصى، يقول الدقران: “تخطت أعداد المرضى داخل المستشفى ثلاثة أضعاف القدرة السريرية، ويندرج العدد الأكبر منهم تحت الحالات الخطيرة، وتتطلب حالتهم السفر خارج غزة، لكن بعد غلق المعبر في السابع من مايو/ أيار أصبح الوضع أسوأ”.
تبلغ القدرة السريرية للمستشفى، قبل بدء حرب الإبادة الجماعية في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، 200 سرير، مقسمة على الجراحة والنساء والولادة والخدّج والكلى والباطنية، أما عدد الأسرّة في قسم الجراحة فيبلغ 48 سريرَا. ووسعت المستشفى سعتها بعد العدوان ليصل عدد الأسرة إلى 431 سريرًا، بحسب مدير المستشفى شهداء الأقصى، الدكتور إياد أبو زاهر.
ويعاني مرضى قسم الكلى في المستشفى وعددهم 650 مريضًا، من تقليل عدد مرات جلسات غسيل الكُلى بسبب نقص الأدوية، كانوا قد لجؤوا للمستشفى بعد خروج سائر مستشفيات غزة عن العمل.
بحسب الدكتور رامي حيدر، نائب مدير عام الرعاية الأولية للصحة العامة؛ فإن تقليل عدد جلسات غسيل الكُلى له أخطار جمة، يمكن أن تتسبب في الوفاة نتيجة ارتفاع نسبة البوتاسيوم بالجسم، والاستسقاء الرئوي الذي يؤدي للاختناق نتيجة زيادة السوائل بالجسم؛ فضلًا عن الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وفشل عضلة القلب والأنيميا.
سياسة ممنهجة
يرى الدكتور مروان الهمص، مدير مستشفى أبو يوسف النجار، الواقعة في شرق مدينة رفح، والتي خرجت عن الخدمة بعد احتلال الجيش الإسرائيلي للمنطقة المتواجدة فيها وتحويلها لساحة قتال، أن قوات الاحتلال تتبع سياسة ممنهجة لإخراج المنظومة الصحية عن العمل، مع إلحاق الضرر بمعبر رفح كي يزيد توغلًا في قتل أبناء الشعب الفلسطيني.
يوضح الهمص لـ “المهاجر”، أن معبر رفح كان بالكاد ينفذ إليه القليل من الجرحى والمصابين والمرضى الذين يحتاجون إلى العلاج بالخارج، والآن بعد إلحاق الضرر به من الجانب الإسرائيلي، زادت حالات الوفاة، بينهم ابن شقيقته الذي كان من يعاني مرضًا تسبب في تورم جسده بأكمله ولم يتمكن من التحمل.
يٌشير الهمص إلى أن كثيرًا من أصحاب الأمراض المزمنة والمصابين؛ خاصة القابعين في العناية المركزة حاليًا عرضة للموت؛ فهم يحتاجون إلى علاج عاجل، وتتراوح احتياجاتهم بين تركيب أطراف صناعية وبين إجراء عمليات جراحية.
تفشي الأوبئة
لإغلاق معبر رفح أبعاد صحية أخرى أكثر فتكًا؛ فقد سجلت وزارة الصحة الفلسطينية أكثر من مليون إصابة بأمراض معدية مختلفة، نتيجة اكتظاظ مخيمات النزوح، بينها 71 ألف حالة إصابة بالكبد الوبائي من نوع A، وفقًا لتقرير صادر عنها حصلت “المهاجر” على نسخة منه.
“الظروف بشكل عام مزرية وكارثية بالنسبة للقطاع صحيًا، وانتشرت الأمراض المعدية في قطاع غزة بشكل خطير نتيجة تدني مستويات النظافة في مراكز النزوح والمخيمات؛ ما زاد الطين بلة”، وفقًا لوصف إيناس حمدان القائم بأعمال مدير مكتب إعلام أونروا في غزة، الوضع الصحي في القطاع.
أقرأ أيضًا| المياه الملوثة تُصيب رضيعًا في غزة بشلل الأطفال
الفرق الإغاثية غير قادرة على تلبية الاحتياجات الصحية والإغاثية لدى الالمهاجرين؛ خاصة بعد غلق معبر رفح البري جنوب القطاع، ومنع دخول المساعدات العربية والدولية
تُضيف حمدان لـ “المهاجر”، أن أونروا ما زالت تدير 6 مراكز صحية في مناطق وسط وجنوب قطاع غزة، 5 منها تعمل فترتين من أجل تقديم أكبر قدر ممكن من الخدمات للمدنيين في مناطق النزوح في قطاع غزة، وسط تفشٍ واسع للأمراض بين النازحين، بينها أمراض الجهاز الهضمي والجلدية، والتهاب الكبد الوبائي، وذلك نتيجة نقص الغذاء، والمياه الملوثة ونقص الأدوية والمستلزمات الطبيعية.
تؤكد القائم بأعمال مدير مكتب إعلام أونروا في غزة، أن هناك ضغطًا كبيرًا على الخدمات التي تقدمها أونروا، والتي تحاول بدورها تقديم استشارات طبية وخدمات علاجية لأصحاب الأمراض المزمنة، إضافة إلى خدمات العلاج الطبيعي، ومتابعة حالات الحمل وحالات ما بعد الولادة، كما تقدم الخدمات الصحية للأطفال، وكذلك اللقاحات، إضافة إلى توفير نقاط طبية متنقلة في مراكز الإيواء.
شمال غزة بلا مستشفيات
في 22 من مايو/ أيار، اقتحمت قوات الاحتلال مستشفى العودة الموجود بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، وهو آخر مستشفى كان يعمل في الشمال؛ ما تسبب في إخلاء المرضى والأطباء والموظفين منها، ليُترك المخيم وشمال القطاع بأكمله بلا أي مكان للعلاج.
يصف الدكتور محمد صالحة مدير المستشفى، عملية الاقتحام والإخلاء، قائلاً: “كثير من الشظايا وصلت لمحيط المستشفى نتيجة قصف جيش الاحتلال المكثف، والذي استهدف أيضًا محطة تحلية مياه، وهو ما اضطر إدارة المستشفى لنقل المرضى والمصابين”.
يوضح صالحة لـ “المهاجر”، أن مستشفى العودة هو الوحيد الذي كان يُقدم خدمة جراحة العظام في شمال قطاع غزة، وما يزيد عن 80% من الإصابات بحاجة إلى تدخلات جراحة العظام، ووصلت حالات البعض إلى التعفن؛ ما أسفر عن بتر أجزاء كثيرة من أجساد المصابين.
يؤكد صالحة أنه رفض إخلاء المصابين إلا بإسعاف، أو أن يبقى داخل المستشفى لخدمة المصابين طبيًا، ليتبقى هو و13 آخرين من الطاقم الطبي مع 11 مصابًا ومرافقين اثنين مع أطفالهم المصابين، ليصبح العدد الإجمالي بداخل المستشفى 27 شخصًا.
أقرأ أيضًا| أطباء بلا حدود: دون وقف إطلاق النار لن تكون هناك استجابة إنسانية حقيقية
وضع حرج
يعلق مسؤول الإعلام في الهلال الأحمر الفلسطيني، رائد النمس، على الوضع الصحي في قطاع غزة، قائلا: “الوضع في القطاع بات مأساويًا للغاية؛ في ظل استمرار موجات النزوح من محافظة رفح إلى مناطق الوسط وخان يونس في ظل ظروف صعبة، لا يوجد لدى العائلات النازحة غذاء ولا خيام ولا فرش أو أغطية، وبالتالي يعيشون ظروفًا سيئة، وهناك نقص حاد في المستلزمات الطبية، وانهارت المنظومة الصحية تقريبًا جراء استهداف المنشآت الصحية واستهداف الطواقم الطبية، وأيضًا وجود نقص حاد في مواد التخدير والتعقيم والجراحة”.
يوضح النمس لـ “المهاجر”، أن الفرق الإغاثية غير قادرة على تلبية الاحتياجات الصحية والإغاثية لدى الالمهاجرين؛ خاصة بعد غلق معبر رفح البري جنوب القطاع، ومنع دخول المساعدات العربية والدولية؛ ما فاقم الوضع سوءًا، مشيرًا إلى أن سيارات إسعاف الجمعية تعمل في مناطق الوسط ومحافظات الجنوب في خان يونس ورفح، عكس مناطق الشمال التي تعرضت سيارات الإسعاف فيها إلى أضرار واعتداءات متكررة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدًا توقف سيارات الإسعاف عن العمل نتيجة وقف إدخال الوقود إلى القطاع، وهو ما دفع الهلال الأحمر لإنشاء نقطة طبية إسعافية ميدانية هناك، تستقبل ما بين 200 و250 مصابًا يوميًا.
وعن الوضع الصحي داخل مستشفيات القطاع حاليًا، يقول النمس إنها تُعاني من نقص مواد التخدير والتعقيم والأكسجين.
استهداف المنظمات الإغاثية
بحسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية؛ فإن فرق الدفاع المدني في غزة تلقت 87 ألف نداء، رُد على 72 ألفًا منها، ولم تتمكن من الرد على الـ 15 ألف نداء المتبقية، جراء التحديات الكثيرة التي يواجهونها داخل القطاع.
ومن بين هذه التحديات استهداف العاملين في مجال الإغاثة؛ فمنذ تصعيد الأعمال العدائية، استُشهد 82 شخصًا من موظفي الدفاع المدني الفلسطيني، وأصيب أكثر من 270 آخرين، بما في ذلك الأعضاء أثناء تأدية واجبهم. كما تعرضت مرافق الدفاع المدني الفلسطيني للقصف المباشر، ودُمرت 38 مركبة، مما أثر بشدة على قدرتها على إنقاذ الأرواح.
أكثر من 100 يوم مرت على إغلاق معبر رفح البري، وما زال عصام وعلي وآلاء وسمية، وعشرات الآلاف من المصابين الفلسطينيين القابعين داخل القطاع ينتظرون على أحرّ من الجمر، إعادة فتح معبر رفح كي يخرجوا للعلاج، أو على الأقل إدخال مساعدات إغاثية وطبية وأدوية، حتى يتمكنوا من إتمام علاجهم، قبل أن تتفاقم أوضاعهم الصحية سوءًا.