أخبارحقوقشكاوىمنظمات

هيومن رايتس ووتش: العائدون من سوريا إلى لبنان يواجهون مخاطر الاعتقال على أيدي السلطة السورية

قالت “هيومن رايتس ووتش” إن السوريين الفارين من العنف في لبنان يواجهون مخاطر القمع والاضطهاد على يد الحكومة السورية عند عودتهم، بما يشمل الإخفاء القسري، والتعذيب، والوفاة أثناء الاحتجاز.

 

أجبرت الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة ضد لبنان منذ أواخر سبتمبر/أيلول 2024 مئات آلاف السوريين على الفرار عائدين إلى سوريا. قتلت الغارات قرابة 3300 شخص، فيما اضطر 510 آلاف إنسان 70% منهم من السوريين للفرار داخل الحدود السورية.

 

عودة غير آمنة

وبحسب هيومن رايتس ووتش يواجه السوريون الفارون من لبنان، وخصوصا الرجال، خطر الاعتقال التعسفي والانتهاكات على يد السلطات السورية. وثقت هيومن رايتس ووتش أربعة اعتقالات بحق أشخاص عائدين خلال هذه الفترة.

 

بينما أفادت مجموعات أخرى، منها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، عن عشرات حالات الاعتقال الإضافية. في العام 2024، توفي في ظروف مريبة رجلان سوريّان على الأقل كان قد تم ترحيلهما من لبنان وتركيا إلى سوريا في العام 2023 واحتجزتهما الحكومة السورية منذ حينها، بينما ما يزال اثنان آخران اعتُقلا في لبنان مخفيَّيْن قسرا منذ تسليمهما إلى السلطات السورية في يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز، بحسب مصادر مطلعة.

 

قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “يُجبر السوريون الفارون من العنف في لبنان على العودة إلى سوريا، حتى مع بقاء سوريا غير صالحة للعودة الآمنة أو الكريمة وفي غياب أي إصلاحات ذات مغزى لمعالجة الأسباب الجذرية للنزوح. الوفيات المريبة للعائدين أثناء احتجازهم تسلّط الضوء على الخطر الصارخ المتمثل في الاحتجاز التعسفي والانتهاكات والاضطهاد بحق الفارين والحاجة الملحة إلى مراقبة فعالة للانتهاكات الحقوقية في سوريا”.

 

تستمر الحكومة السورية والجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء من سوريا في منع المنظمات الإنسانية والمنظمات الحقوقية من الوصول الكامل وغير المقيد إلى جميع المناطق، بما يشمل مواقع الاحتجاز، ما يعيق جهود التوثيق ويحجب الحجم الحقيقي للانتهاكات.

 

أفاد “الهلال الأحمر العربي السوري” أنه بين 24 سبتمبر/أيلول و22 أكتوبر/تشرين الأول لجأ حوالي 440 ألف شخص، 71% منهم سوريون و29% لبنانيون، إلى سوريا هربا من لبنان عبر المعابر الحدودية الرسمية. ويُعتقد أن آخرين عبروا بشكل غير رسمي. تقود “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” والهلال الأحمر السوري جهود الطوارئ الإنسانية على الحدود وفي المجتمعات المضيفة، وقد أبقت سوريا حتى الآن حدودها مفتوحة وخففت إجراءات الهجرة. من بين هؤلاء، وصل حوالي 50 ألف و779 نازح إلى شمال شرق سوريا بحلول 25 أكتوبر/تشرين الأول و6 آلاف و600  إلى شمال غرب البلاد بحلول 24 أكتوبر/تشرين الأول. عدد كبير من العائدين هم من النساء والأطفال.

أقرأ أيضًا| عودة اللاجئين السوريين.. هل حقًا باتت سوريا آمنة؟

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ثلاثة سوريين في لبنان وثمانية سوريين عادوا إلى سوريا، وكذلك أقارب خمسة رجال اعتقلتهم السلطات السورية بعد عودتهم من لبنان في أكتوبر/تشرين الأول. كما أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات بشأن مصير المرحّلين مع باحثَيْن حقوقيَّيْن سوريَّيْن، بالإضافة إلى مقابلات مع أشخاص آخرين عدة، منهم أقارب المرحّلين.

 

من الاعتقالات الخمسة الأخيرة التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأول، وقع اعتقالان عند معبر الدبوسية الحدودي بين شمال لبنان وحمص، وفي إحدى الحوادث، اعتُقل شخصان عند حاجز بين حلب وإدلب. قال الأقارب إن جهاز “المخابرات العسكرية” السوري هو من نفذ جميع الاعتقالات، من دون تقديم أي معلومات إلى العائلات حول أسباب الاعتقالات أو مكان احتجاز المعتقلين.

 

وصفت إحدى النساء فرارها إلى سوريا مع زوجها، وهو جندي سوري سابق، وأربعة أطفال في أكتوبر/تشرين الأول. قالت إن زوجها البالغ من العمر 33 عاما كان يعيش في لبنان لمدة 13 عاما. عندما اشتد القصف الإسرائيلي في أواخر سبتمبر/أيلول، تلقوا تحذيرا بالإخلاء، وفرّوا بلا شيء، وعاشوا في الشارع لمدة 10 أيام قبل تأمين الأموال للسفر إلى سوريا. ورغم عدم تسجيل زوجها للخدمة العسكرية الاحتياطية، كانوا يعتقدون أن العفو الذي أصدرته الحكومة السورية مؤخرا، والذي شمل التهرّب من الخدمة العسكرية، سيحميه.

 

في 7 أكتوبر/تشرين الأول، دخلت العائلة سوريا عبر معبر الدبوسية الحدودي في حمص، حيث اعتقلت المخابرات العسكرية السورية زوجها فورا. قالت: “قالوا لي: ‘امضِ في طريقك. سيبقى هو معنا'”. انتظرت الزوجة خمس ساعات، متوسلة للحصول على معلومات من دون جدوى، وتعيش حاليا في مكان مكتظ مع عائلتها في سوريا، من دون أي فكرة عن مكان زوجها بينما تعاني لإعالة أطفالها. قالت: “يا ليتنا بقينا تحت الصواريخ بدل تعرضنا لهذا”، مضيفة أن أملها الوحيد هو إطلاق سراح زوجها.

 

 لا ملاجئ للسوريين في لبنان

في لبنان، تشير التقارير إلى أن ملاجئ عديدة تمنح الأولوية للنازحين اللبنانيين والفلسطينيين مع منع دخول السوريين إليها، وأن بعض أصحاب المساكن طردوا مستأجريهم السوريين لإفساح المجال للنازحين اللبنانيين. حتى قبل الهجوم الإسرائيلي، عاش السوريون في لبنان في بيئة قسرية، مصممة لإجبارهم على التفكير في العودة إلى سوريا. واجهوا ظروفا قاسية، وتصاعد العداء للأجانب، والترحيل.

 

يزعم بعض القادة الأوروبيين بشكل متزايد أن سوريا آمنة للعودة، ما يحفّز سياسات قد تلغي الحماية الممنوحة للاجئين رغم استمرار المخاوف الأمنية والحقوقية. قالت هيومن رايتس ووتش إنه في ظل شبكات المعلومات غير الموثوقة والمراقبة غير الكافية من قبل الوكالات الإنسانية، ينبغي للبلدان التي تستضيف اللاجئين السوريين إدراك أن سوريا ما تزال غير آمنة للعودة وأن توقف فورا أي عمليات عودة قسرية أو بدون احترام الإجراءات الواجبة، أو أي خطة لتسهيل مثل هذه العودة.

 

سوريا ليست آمنة للعودة

ينبغي لمفوضية اللاجئين البقاء على موقفها المنشور في مارس/آذار 2021 والمتمثل في أن سوريا غير آمنة للعودة وأنها لن تشجع العودة أو تسهّلها حتى يتم ضمان الظروف الآمنة والكريمة. وبالإضافة إلى ذلك، انطلاقا من إطارها التشغيلي الإقليمي لعام 2019 لعودة اللاجئين إلى سوريا، ينبغي لها الدفع بشكل عاجل من أجل إنشاء آلية مستقلة وفعالة للحماية والرصد في سوريا تتمكن من خلالها المنظمات الإنسانية من رصد الانتهاكات الحقوقية بحق العائدين والإبلاغ عنها.

 

في حين ينبغي للحكومات المانحة الدولية تقديم الدعم المالي السخي وباقي أشكال الدعم للنازحين إلى سوريا، عليها ضمان أن البرامج الإنسانية في كل من سوريا والدول المضيفة لا تقدّم عن غير قصد حوافز للعودة قبل الأوان. كما ينبغي للدول التي فرضت عقوبات على سوريا، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا ودول “الاتحاد الأوروبي”، تنفيذ إعفاءات إنسانية شاملة لجميع عمليات المساعدة في سوريا لضمان الحصول على الخدمات الأساسية بدون قيود.

 

قال كوغل: “سوريا ليست أكثر أمنا للعودة مقارنة بما كانت عليه من قبل، لكن المخاطر المتصاعدة في لبنان تجعل العديد من السوريين بلا مكان آخر يذهبون إليه. عودتهم ليست علامة على تحسن الظروف في سوريا، بل هي حقيقة صارخة مفادها أنهم محرومون من البدائل الأكثر أمنا ويجبرون على العودة إلى بلد لا يزالون يواجهون فيه مخاطر الاعتقال والانتهاكات والموت”.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى