تقاريرحقوقشكاوى
أخر الأخبار

الاتحاد الأوروبي يُمول خفر السواحل الليبي لقتل اللاجئين والمهاجرين

تحقيق: سلمى نصر الدين 

هربت ديكرشيل، أم لطفلين، من الكاميرون بعد ما أًجبرت على الزواج من شقيق زوجها بعد وفاته، وكانت تتعرض للعنف والضرب، ما تسبب في إجهاضها مرتين متتاليتين، وفي الحمل الثالث أنجبت طفلة، لكنها تعرضت للضرب والعنف مجددا ونُقلت على إثرها إلى المستشفى، تحكي ديكرشيل سبب هروبها من بلدها إلى ليبيا ومحاولة عبور البحر المتوسط، لبعثة أطباء بلا حدود.

غادرت ديكرشيل إلى نيجيريا بمساعدة أحد أصدقائها، ثم توجهت إلى النيجر والجزائر، وخلال عبورها صحراء الجزائر مرضت ابنتها وتوفيت لعدم قدرتها على توفير الدواء لها ودُفنت هناك. حاولت ديكرشيل عبور البحر المتوسط مرتين، في الأولى أُلقي القبض عليها، وأُطلق سراحها مباشرة، وأرسلت إلى بيت دعارة للعمل فيه، لكنها هربت بمساعدة بعض أصدقاءها من الكاميرون.

عاشت ديكرشيل في منطقة قريبة من البحر في ليبيا، وبدأت في تجميع مبلغ مالي في محاولة منها للعبور مرة ثانية، وخلال هذه الرحلة تمكنت سفينة أطباء بلا حدود من إنقاذها، قبل أن تلقي حتفها غرقا.

توصف منظمات دولية رحلة العبور إلى أوروبا عبر منتصف البحر المتوسط بأنه الطريق الأكثر فتكًا في العالم. فهناك قرابة 26 ألفا و828 شخصا سقطوا بين غريق ومفقود في البحر المتوسط خلال عمليات هجرة غير نظامية من الجنوب إلى الشمال، بين عامي 2014 و2023، بحسب إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة

ووفقا لحقوقيين متخصصين في ملف الهجرة، فإن عمليات الهجرة غير النظامية والإبحار تتم عبر مراكب متهالكة، وبدون مؤن كافية من الدواء أو الغذاء أو المياه، ما يتسبب في ارتفاع معدلات الغرق أو الانتهاكات التي يتعرضون لها من قبل حرس السواحل اللييبي، وكانت ديكرشيل إحدى الضحايا

 

ضحايا نزاعات وحروب

الأبيض المتوسط.. بحر له شطان، جنوبه يضم دولًا أضنتها الحروب والصراعات والاستعمار والفقر، بينما تنعم دول الشمال بالعدل والحرية وحقوق الإنسان، والأهم ارتفاع مستوى دخل مواطنيها وتوافر فرص العمل بأجور عادلة، عادة تحزم الأُسر حقائبها في الصيف تجاه شاطئ البحر هربًا من شدة الحرارة، بينما آخرين يحاولون عبوره علّهم يجدون الأمن والنجاة من الحروب والصراعات، أ, البحث عن مصدر للزرق، لكن البحر يأبى أن يمنحهم شعور الطمأنينة، فإذا لم تلتهمهم أمواجه يكون مصيرهم الاحتجاز والاعتقال من قبل خفر السواحل الليبي الممول من الاتحاد الأوروبي.

في تقرير أفق بلا نهاية، الصادر عن المفوضية السامية لشئون اللاجئين 2021، فإن مُعظم الأشخاص المُهاجرين عبر طريق منتصف المتوسط، أي ليس شرق المتوسط أو غربه، وهم عادة يخرجون من ليبيا، قادمين من بلدان شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، وهي بلاد متضررة من النزاعات والصراعات وموجات النزوح، ويصنف بعضها بارتفاع معدلات اللجوء أو النزوح الداخلي، مثل السودان وإثيوبيا وجنوب السودان وإريتريا والصومال.

 

 

يتحرك المهاجرون من بلدانهم في شرق ووسط إفريقيا، باتجاه الشمال مرورًا بالسودان ثم بعدها يتجهون إما إلى ليبيا أو مصر، ويعتمدون في دخولهم للدولتين على مُهربين.

وفقًا لتصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وعدد من المسئولين المصريين، فإنه لم يخرج مركب هجرة غير نظامية من مصر منذ عام 2016، لا توجد إحصاءات رسمية تدعم تلك التصريحات، لكن تُشير تقارير منظمات دولية أن أغلب عمليات الهجر غير النظامية في طريق منتصف المتوسط تخرج عبر ليبيا، خاصة في ظل عدم الاستقرار الذي تشهده.

 الاتحاد الأوروبي يمول اعتراض مراكب الهجرة

سعى الاتحاد الأوروبي إلى عقد اتفاق مع خفر السواحل الليبي، وهو جهة تابعة للميليشيات الليبية، ليتولى عملية إعاقة وصول مراكب الهجرة غير النظامية إلى الشواطئ الأوروبية. والاتفاق هو مقترح تقدمت به إيطاليا، والتي تُعد ضمن أكثر البُلدان استقبالًا للهجرة غير النظامية في أوروبا، عام 2017، وتمت الموافقة عليه، كما وافق البرلمان الإيطالي في 2021 على تمديد الاتفاق لـ 5 سنوات أخرى، وكانت ديكرشيل إحدى ضحايا هذا الاتفاق. 

بحسب الاتفاق المبرم عام 2017، بين إيطاليا وليبيا، والمدعوم من الاتحاد الأوروبي، خصصت إيطاليا حوالي 32 مليون يورو لبعثات دولية لدعم خفر السواحل الليبي، بالإضافة لتمويل آخر بـ 10 ملايين يورو عام 2021.

ويُشير مجلس الاتحاد الأوروبي، أن ليبيا حصلت على دعمًا إجماليًا يُقدر بحوالي 700 مليون يورو منذ 2015، ويتضمن الدعم المُقدم من صندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني لدعم الطوارئ في إفريقيا، والذي تُقدر قيمته بحوالي 450 مليون يورو.

 

 

 

خفر السواحل الليبي يعترض مراكب الهجرة 

خلال 2022 اعترض خفر السواحل الليبي حوالي 24 ألفا و684 محاولة هجرة غير نظامية في منتصف البحر المتوسط، من إجمالي 56 ألفا و515 محاولة اعتراض أو منع لسفن ومراكب الهجرة غير النظامية، ما يُمثل حوالي 43% من إجمالي محاولات الاعتراض أو المنع التي تحدث في طريق منتصف المتوسط، وفقًا لإحصائيات صادرة عن منظمة الهجرة الدولية.

كما ارتفع عدد الاعتراضات التي قام بها خفر السواحل الليبي من 14 ألفا و332 مرة خلال عام 2016، إلى 24 ألفا و684 مرة، بزيادة قدرها حوالي 42%.

بدأت عمليات الاعتراضات تزيد منذ توقيع الاتفاق مع إيطاليا، والذي ينُص في مادته الأولى على "بدء مبادرات التعاون وفقا للبرامج والأنشطة التي اعتمدتها ليبيا، متمثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني الليبية فيما يتعلق بدعم المؤسسات الأمنية والعسكرية "من أجل وقف تدفقات المهاجرين غير الشرعيين ومواجهتهم، بما يتفق مع ما تتوخاه معاهدة الصداقة والشراكة التعاون الموقّع أدناه بين البلدين والاتفاقات والمذكرة التفاهم الموقّع أدناه بين الطرفين".

بالإضافة إلى "التزم الطرف الإيطالي بتقديم الدعم التقني والتكنولوجي للمؤسسات الليبية المكلفة بمكافحة الهجرة غير النظامية، والتي يمثلها حرس الحدود وخفر السواحل التابع لوزارة الدفاع والهيئات والإدارات المختصة في وزارة الداخلية".

 

 

كما نص في مادته الثانية على "وبالإضافة إلى ذلك، تلتزم الأطراف باتخاذ إجراءات، مثل: استكمال نظام مراقبة الحدود في جنوب ليبيا، وفقًا لما هو موجود المتوخاة في المادة 19 من المعاهدة المذكورة أعلاه، تكييف وتمويل مراكز الاستقبال المذكورة أعلاه التي نشطت بالفعل الامتثال للأحكام ذات الصلة، واللجوء إلى الأموال التي توفرها إيطاليا والاتحاد الأوروبي. يساهم الحزب الإيطالي من خلال توصيل الأدوية والمعدات الطبية، لتحسين الاحتياجات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين في المراكز، في علاج الأمراض المعدية والخطيرة المزمنة، إضافة إلى تدريب الموظفين الليبيين في مراكز الاستقبال المذكورة أعلاه لمواجهة أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، ودعم مراكز الأبحاث الليبية العاملة في هذا المجال حتى يتمكنوا من المساهمة في تحديد أكثر".

 

جرائم بحق العائدون إلى ليبيا

ورغم تراجع حالات المفقودين أو الموتى غرقًا عبر طريق البحر المتوسط، إلا أن زيادة الاعتراضات من حرس السواحل الليبي، ويعترض خفر السواحل الليبي تلك المراكب بشكل غير إنساني وثقته الأمم المتحدة وأطباء بلا حدود في تقارير لها بأنه يتم من خلال عمليات نيران على المهاجرين والتعدي عليهم بالضرب، ومنع عمليات الإنقاذ من قبل منظمات المجتمع المدني المعنية بالأمر.

وبعد عملية الاعتراض، يعود خفر السواحل بالمهاجرين إلى ليبيا، وتلك العودة لا تعني أن المهاجرين أصبحوا في أمان، فبحسب استطلاع أجرته آلية مراقبة الهجرة المختلطة مع اللاجئين والمهاجرين في شمال أفريقيا (ليبيا وتونس) وغرب أفريقيا (النيجر ومالي وبوركينا فاسو) وشرق أفريقيا (السودان وكينيا والصومال وجيبوتي وإثيوبيا) بين 2018-2021 أشاروا لتعرضهم لانتهاكات واعتقالات وعنف جسدي وجنسي أعلى تلك الانتهاكات كانت تحدث في ليبيا.

 

 

 

ووثق تقرير بعثة تقصي الحقائق في ليبيا، الصادر عام 2023، لانتهاكات بحق المهاجرين في مراكز الاعتقال في ليبيا، أجرت البعثة مقابلات مع أكثر من 100 مهاجر في سياق تحقيقاتها، بما في ذلك حالات الاتجار المزعومة والحرمان من الحرية للحصول على فدية في إطار التهريب والاتجار. وأثبتت البعثة، استناداً إلى هذه الأدلة، أن المهاجرين في ليبيا يتعرضون لجرائم ضد الإنسانية بحسب وصف البعثة في تقريرها.

تتمثل الجرائم في أعمال قتل، وإخفاء قسري، وتعذيب، واستعباد، وعنف جنسي، واغتصاب، وغيرها من الأفعال اللا إنسانية تُرتكب خلال احتجازهم تعسفيا. أكثر هذه الجرائم تحدث في مراكز جهاز "مكافحة الهجرة غير الشرعية"، الكيان الرسمي المسؤول عن مراكز احتجاز المهاجرين في مختلف أنحاء ليبيا لدى وزارة الداخلية الليبية. 

وحددت البعثة دوراً مهما بشكل خاص لجهاز دعم الاستقرار في الجرائم ضد الإنسانية، من خلال تعاونه مع خفر السواحل الليبي في الزاوية، وسيطرته على مركزَيْ الاحتجاز أبو سليم وعين زارة. 

وهو ما ينفي ما قاله بيتر ستانو، المتحدث باسم خدمة العمل الخارجي الأوروبي (EEAS)، خلال مؤتمر صحفي في مارس 2023، بأن الاتحاد الأوروبي لا يمول خفر السواحل الليبي أو أي كيان آخر في ليبيا. 

وأضاف: "نحن نقدم المساعدة لمساعدتهم على تحسين أدائهم في عمليات البحث والإنقاذ، مع التركيز بشكل خاص على حقوق الإنسان".

 

اتفاق مخالف للقوانين الدولية

يُخالف الاتفاق الموقع بين إيطاليا وليبيا القوانين الدولية، فوفقًا لتقرير  "تجاهل مميت: عمليات البحث والإنقاذ وحماية المهاجرين في وسط البحر الأبيض المتوسط"، الصادر عن مفوضية اللاجئين عام 2021، فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان يضمن لجميع الناس الحق في الحياة والأمن الشخصي. 

يقول عصام حامد، المحامي المتخصص في ملف اللاجئين والأجانب في مصر، أن الحق في الحياة هو حق أساسي وغير قابل للانتقاص، وهو منصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) والمعاهدات الدولية الأخرى لحقوق الإنسان.

وأضاف حامد لـ المهاجر، أن المادتين 6 و2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تنصان أنه يقع على عاتق الدول "واجب توفير سبل انتصاف فعالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وأقاربهم"، بما في ذلك "واجب إجراء تحقيق سريع في الادعاءات المتعلقة بالانتهاك. من الحق في الحياة "بما في ذلك الموت والاختفاء.

وذكرت لجنة حقوق الإنسان في تقرير لها، أن "الحق في الحياة هو حق لا ينبغي تفسيره بشكل ضيق. يتعلق الأمر بحق الأفراد في التحرر من الأفعال والإغفالات التي يُقصد منها أو يُتوقع أن تسبب موتهم غير الطبيعي أو المبك ، فضلاً عن التمتع بحياة كريمة".

ولاحظت اللجنة كذلك أن التزام الدول بالاحترام يشمل الحق في الحياة التزامًا باتخاذ إجراءات في حالة التهديدات المتوقعة للحق في الحياة وفي المواقف التي تهدد الحياة، حتى عندما لا تكون الدولة هي السبب المباشر لتلك التهديدات والحالات.

تمكنت سفينة إنقاذ بلا حدود إنقاذ ديكرشيل، قبل أن تموت غرقا في مياه البحر الأبيض المتوسط، لكن سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات الإغاثية لم تتمكن من إنقاذ عشرات الآلاف من الضحايا الآخرين، الذين يغرقون يوميا خلال رحلات الهجرة من جنوب البحر المتوسط إلى شماله يوميا، في مجازفة منهم للبحث عن حياة ومستقبل أفضل.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى