حوار: سلمى نصر الدين
“الأطفال خايفين جدًا وأول ما يسمعوا صوت القصف بسكروا ع أذانهم مع العياط.. مش الأطفال بس اللي بتصرخ وبتعيط كمان الكبار” هكذا تحكي أروى أبو رجيلة لـ المهاجر وضع الأطفال في عائلاتها التي اضطرها القصف للنزوح من شمال قطاع غزة إلى إحدى مدارس الإيواء التابعة للأونروا علّهم يستطيعون الحصول على الأمان.
في مقطع فيديو انتشر على موقع التواصل الاجتماعي يظهر الطفل الغزي محمد أبو لولي بعينين خائفتين بينما تهتز أطرافه إذ كان نائمًا حين قصف الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلته، حاول الأطباء تهدئته لكنه انفجر باكيًا، حسب ما يُظهر مقطع الفيديو.
يبلغ تعداد سكان قطاع غزة حوالي 2.5 مليون نسمة، بينهما نحو مليون طفل، بحسب إحصائيات رسمية فلسطينية، وتستهدف طائرات وصواريخ الاحتلال منازل وأحياء المدنيين في القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023، ومن لم يدركه الموت من القصف أدركه الخوف والقلق.
بحسب العديد من الدراسات المنشورة فإن الأطفال في مناطق النزاع عُرضة للإصابة باضطرابات نفسية؛ نتيجة لتعرضهم لمشاهد العنف بشكل مباشر، فضلًا عن فقدانهم أهاليهم.
في التقرير التالي، يُجيب الدكتور أنطوان الشرتوني، المتخصص في الأمراض النفسية والتحليل النفسي، والذي اكتسب خبرته عن طريق التعامل مع الاطفال ذوي الاضطرابات النفسية، عن كيف تؤثر النزاعات والحروب على الصحة النفسية والعقلية للطفل؟ وكيف يمكن للأهالي التعامل مع الأمر خاصة إذا كانوا داخل مناطق حروب أو صراع؟
يقول الدكتور أنطوان الشرتوني إن كل طفل يعيش حالة حرب أو نزوح تتأثر حياته، فهو يعيش ضمن عائلة من الأب والأم والأخوات وجميعهم متأثرين بما يحدث، لذا يكون الجو من حوله مليء بالتوتر والقلق والخوف وبالتالي يشعر أنه داخل مكان غير متزن أو مستقر؛ وهو ما يؤثر على صحته النفسية.
ويوضح أن التأثير النفسي للحرب يختلف من طفل لأخر حسب ما قدر ما تعرض له من مشاهد الحرب والدمار ومدتها الزمنية، وكذلك سنه وقت التعرض لتلك المشاهد، إذا كان صغيرًا في السن يكون الأمر صعب، ويكون أصعب وأصعب كلما كبر سن الطفل.
كما يختلف التأثير أيضًا بمدى استعداد الطفل ووجود تاريخ سابق من الإصابة باضطراب نفسي، سواء لدى الطفل نفسه أو أحد الوالدين.
وعن شكل التأثير الذي يمكن أن يُصاب به الطفل، يشرح الشرتوني قائلًا إن الطفل يُصاب باضطرابات كاضطراب ما بعد الصدمة (PTSP)، وهو نوع من الاضطرابات النفسية التي تجعل الطفل يشعر بالقلق طوال الوقت وخائف، وقد يصل الأمر حد الاكتئاب أو وجود أفكار غير متزنة.
وتكون أعراض تلك الاضطرابات التبول اللاإرادي والكوابيس، يظهر خوفه في أقل الأشياء فإذا تعرض لضربة صغيرة أمامه يشعر كأنها انفجار كبير، يكون خائف دائمًا من المستقبل وما سيحدث فيه، بحسب ما أشار إليه الدكتور أنطوان الشرتوني.
ويضيف الشرتوني أنه في حال عدم علاج تلك الأعراض مبكرًا يمكن أن تطور إلى مشكلات نفسية صعبة.
ويرى أن أفضل الحلول لتتعامل مع التأثيرات النفسية الضارة للحروب والنزاعات على الأطفال، أن يحاول الأهل إبعاد الأطفال قدر الإمكان عن مكان الحرب والنزاع.
ولكن في حال لم يستطع الآباء القيام بذلك وإبعاد أطفالهم عن مكان الحرب، فيوجه لهم الشرتوني مجموعة من النصائح التي تُقلل من حادة التأثيرات، وهي: أن يتحدث الآباء مع أطفالهم ويشرحوا لهم ما يدور وما هي الحرب، لكن عليهم أن يشيروا أن الأمور في المستقبل ستكون أفضل.
أن يستمع الآباء لمخاوف أطفالهم وما يدور في ذهنهم من أفكار، وأن يشاركوا سويًا في عمل ما، يمكن أن يكون رسم أو غناء أو رقص، كذلك قراءة وحكي القصص.
في حال كان الأطفال يُشاهدون الكوابيس أثناء النوم، يجب سؤال الطفل عما شاهد وجعل الطفل يحكي مشاعره، ويمكن الطلب من الطفل أن يرسم ما شاهده ثم “تقطيع الورقة” إذ يُساعد ذلك الطفل على التخلص من المشاعر السلبية بداخله.
يجب إبعاد التلفاز والهاتف عن الطفل وتجنب مشاهدة المشاهد الصعبة أو التي تحمل محتوى حساس.
وينصح الشرتوني الأهالي بالتوجه إلى مختص نفسي لفحص الطفل في حال ظهرت عليه أعراض كعزل نفسه عن العالم، الخوف الشديد، والتبول اللاإرادي.