تقارير

“يتضرر 6 ملايين شخص”.. كيف يؤثر قطع تمويل الأونروا على ملايين اللاجئين الفلسطنيين؟

تقرير: سلمى نصر الدين

 

يُكابد 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة مخاطر المجاعة إلى جانب الإبادة الجماعية، تزامنًا مع حلول شهر رمضان المبارك، مع استمرار الحصار المفروض على القطاع، والقصف المستمر منذ 5 أشهر تقريبًا، بينما مات بعض سكان القطاع جوعًا فعليًا، تحت تأثير قلة المساعدات الإنسانية الواصلة إلى القطاع، وأوقف بعض الدول الدعم المخصص لوكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين “أونروا”. وخلال جلسة لمجلس الأمن في 27 فبراير 2024، حذر ثلاثة من كبار مسؤولي الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة في قطاع غزة، وحثوا على اتخاذ إجراءات فورية لتجنب وقوع كارثة إنسانية في المنطقة التي يزعم العديد من أعضاء المجلس فيها أن الجوع يستخدم كسلاح حرب.

 

10 دول توقف التمويل

يقول راميش راجاسينجهام، مدير التنسيق في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية: “للأسف، على الرغم من قتامة الصورة التي نراها اليوم؛ فهناك احتمال كبير لمزيد من التدهور”. مؤكدًا أن ما لا يقل عن 576 ألف شخص في غزة (ربع السكان) “على بعد خطوة واحدة من المجاعة”، مضيفًا أن خبراء الأمن الغذائي يحذرون من الانهيار الزراعي الكامل في شمال غزة بحلول شهر مايو إذا استمرت الحال كما هو عليه، علاوة على ذلك؛ يُترك جميع سكان القطاع تقريبًا للاعتماد على المساعدات الغذائية الإنسانية غير الكافية للبقاء على قيد الحياة.

يأتي ذلك مع إعلان نحو 10 دول قطع التمويل عن أونروا بعد زعم دولة الاحتلال الإسرائيلي أن موظفي الأونروا متهمون بالضلوع في عملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية صباح 7 من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

إثر تلك الاتهامات أعلنت الأونروا فصل 9 من أصل 12 موظفًا متهمًا بالمشاركة في عملية طوفان الأقصى، وأعلنت الأونروا عن فتح تحقيق حول المزاعم الإسرائيلية، إلا أن ما يزيد عن 10 دول أعلنوا إيقاف مؤقت للتمويل على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، دون الانتهاء من التحقيقات داخل الأونروا، وهو ما يُنذر “بنتائج كارثية”. وفق تصريح إيناس حمدان، القائم بأعمال مدير مكتب الإعلام بالأونروا غزة.

 

تعد أونروا هي المنظمة الوحيدة التي تقدم الخدمات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، البالغ عددهم 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني في 5 مناطق أساسية، هي: قطاع غزة، الضفة الغربية، الأردن، لبنان، وسوريا، ويضم الأردن النسبة الكبرى من اللاجئين الفلسطينيين؛ إذ يعيش فيه حوالي 2.4 مليون لاجئ فلسطيني، يليه قطاع غزة بـ 1.6 مليون لاجئ فلسطيني، ثم الضفة الغربية التي تضم 901 ألف لاجئ، وسوريا التي يعيش فيها 850 ألف لاجئ فلسطيني، و487 ألف لاجئ في لبنان.

توقف نصف المساعدات

حصلت أونروا على تمويل بقيمة 431 مليونًا و193 ألفا و971 دولارًا خلال 2023، متراجعًا عن عام 2022 الذي بلغت قيمة التمويل فيه 1 مليار و174 مليونًا و647 ألفا و271 دولارًا. وتعد الدول التي أوقفت تمويلها المؤقت من أكبر الدول المانحة. وتُقدر قيمة المساعدات الموقوفة بحوالي 46% من قيمة التمويل، بحسب تمارا الرفاعي، مديرة الإعلام في منظمة الأونروا.

 

تقول الرفاعي: نحن قلقون للغاية؛ فإعلان 15 دولة لإيقاف مساهماتها يعني أن 46% من الميزانية التي تطلبها الأونروا لن تستطيع المنظمة الحصول عليها في حال استمر هذا التعليق. وأضافت “الرفاعي” خلال مقابلة مصورة لقناة الشرق: “لدى أونروا دائمًا عجز في التمويل، ولم تنه أي عام بتمويل يكفي عملياتها؛ وخصوصًا الأساسية منها كـ المدارس والمرافق الطبية، موضحة أنه في حالة غزة فالمعاناة مضاعفة؛ فالحرب على غزة جاءت في وقت يعاني فيه اللاجئون الفلسطينيون في المنطقة وغزة تحديدًا.

 

وبحسب الأرقام الصادرة عن الأونروا عام 2023، ساهمت الولايات المتحدة بـ 53 مليونًا و123 ألفًا و854 دولارًا، وساهمت ألمانيا بنحو 39 مليونًا و501 آلاف و731 دولارًا، واليابان 40 مليونًا و575 ألفًا و790 دولارًا؛ فيما دفعت فرنسا 34 مليونًا للأونروا.

ومولت سويسرا الأونروا بـ 21 مليونًا و668 ألفا و472 دولارًا، ووصلت مساهمات فنلندا عام 2023 إلى 5 ملايين و458 ألفًا و515 دولارًا؛ فيما سددت كندا نحو 4 ملايين و808 آلاف و944 دولارًا، ودفعت أستراليا نحو 1 مليون و339 ألفًا و585 دولارًا.

ومولت كل من بريطانيا وهولندا الأونروا عام 2022 بـ 21 مليونًا. وتلك الدول من أبرز الدول التي أعلنت وقف التمويل المؤقت لوكالة الغوث، كما أنها من أعلى 20 دولة تقدم مساهمات للأونروا.

 

نازحو غزة في خطر

تشرح إيناس حمدان، القائم بأعمال مدير مكتب إعلام أونروا في غزة، الوضع الإنساني في قطاع غزة، قائلة: “الأوضاع في غزة مأساوية للغاية؛ فأكثر من 90% من سكان قطاع غزة هم الآن نازحون، مضيفة أن هناك حاجة أكثر من السابق لمزيد من الدعم والخدمات الإنسانية؛ تحديدًا للنازحين”.

توضح “حمدان”، خلال حديثها مع “المهاجر”، أن النازحين هم الأكثر حاجة لتلك المساعدات المقدمة لأونروا، والتي وصفتها بأنها منقذة للحياة، وقطع الدعم عن أونروا جاء في وقت حرج جدًا، سيؤثر على الخدمات الإنسانية تقدمها المنظمة؛ ليس فقط في غزة، ولكن في سائر مناطق عمل الأونروا.

تؤكد ذلك تمارا الرفاعي، قائلة إن الأونروا تُمثل شريان الحياة في غزة؛ فأغلب النازحين في غزة يقيمون في منشآت تابعة للأونروا، والخدمات الطبية والخدمات الإنسانية تقدمها الأونروا حتى لو كانت شحيحة، لكن الأونروا هي من تقدم الدقيق لصناعة الخبز والأدوية والخدمات كلها.

وتحذران؛ “الرفاعي” و”حمدان”، من خطورة إيقاف التمويل؛ فبدونه لن تستطيع الأونروا استكمال الاستجابة لمتطلبات اللاجئين والنازحين الفلسطينيين في غزة وخارجها، وسينعكس بشكل سلبي على قدرة الأونروا على الاستمرار، وستضطر لإيقاف عملياتها في نهاية شهر فبراير/ شباط 2024.

 

تشير مديرة الإعلام في منظمة الأونروا، إلى أن المساعدات التي تقدم لغزة شحيحة، وأن المنظمة تخشى حقيقة من توقف المساعدات، ولو لم تأت دول أخرى غير الدول الـ 15 التي قطعت تمويلها لتحل محل هذه الدول؛ فلن تتمكن الأونروا من الاستمرار في عملها في إدارة الملاجئ التي تضم أكثر من 1.7 مليون نازح في غزة، ولن تتمكن من الاستمرار في إدارة 700 مدرسة في المنطقة كاملة.

 

الضرر ليس في غزة فقط

توضح “الرفاعي” أن وقف التمويل سيؤثر على عمليات المنظمة كافة في الـ 5 مناطق الرئيسية التي تدير فيها الأونروا شؤون اللاجئين الفلسطينيين، وتعدد الأضرار التي ستطول اللاجئ الفلسطيني قائلة: إنه لن يستطيع الانضمام إلى المدرسة أو الحصول على الخدمات الطبية.

 

ترى الرفاعي أن وقف التمويل هو محاولة لإضعاف صوت الأونروا في المحافل الدولية والمحافل الحقوقية التي لا زالت تدافع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، مؤكدة أن أونروا ستدافع عن الحقوق اللاجئين الفلسطينيين حتى يتم التواصل لحل سياسي شامل يضمن حقوقهم.

فتح تحقيق مستقل

يُجري مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة تحقيقًا حول الاتهامات بمشاركة مجموعة من موظفي الأونروا في عملية طوفان الأقصى، كما أنشأت الأمم المتحدة مجموعة مراجعة مستقلة بقيادة كاثرين كولونا لتقييم ما إذا كانت الوكالة تفعل كل ما في وسعها لضمان الحياد والرد على مزاعم الاحتلال.

كما وافقت أونروا على إطلاق عملية تدقيق للوكالة سيتم إجراؤها من قبل خبراء خارجيين معينين من قبل الاتحاد الأوروبي، وسيراجع الخبراء أنظمة المراقبة لمنع التورط المحتمل لموظفيها وأصولها في الهجمات المسلحة.

وعلى إثر ذلك قررت المفوضية الأوروبية تخصيص مبلغ إضافي قدره 68 مليون يورو لدعم الفلسطينيين في جميع أنحاء المنطقة، وسيتم تنفيذه من خلال شركاء دوليين مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر، بالإضافة إلى المساعدات المتوقعة البالغة 82 مليون يورو، والتي سيتم تنفيذها من خلال الأونروا خلال عام 2024، ليصل المجموع إلى 150 مليون يورو، وستشرع المفوضية في دفع 50 مليون يورو من مظروف الأونروا الأسبوع المقبل.

علاوة على ذلك خصصت المفوضية 125 مليون يورو كمساعدات إنسانية للفلسطينيين لعام 2024. وتتعاقد المفوضية اليوم على أول 16 مليون يورو.

 

تصفية عمل الأونروا

يأتي اتهام الاحتلال الإسرائيلي عشرات من موظفي الأونروا بمشاركتهم في عملية طوفان الأقصى في نفس الوقت التي صدرت فيه تقارير إعلامية عن وثيقة رسمية رفيعة المستوى صادرة عن وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلي، نشرتها القناة 12 الإسرائيلية، تُشير لعزم دولة الاحتلال تصفية عمل المنظمة في غزة.

وتشمل خطة دولة الاحتلال 3 مراحل، وفقًا للوثيقة: الأولى تتضمن تقريرًا شاملاً عن تعاون “أونروا” المزعوم مع حركة حماس، والثانية تقضي بتقليص عمليات الوكالة في القطاع المحاصر، والبحث عن منظمة مختلفة لتوفير خدمات التعليم والرعاية الاجتماعية، وفي المرحلة الثالثة سيتم نقل جميع واجبات الوكالة إلى الهيئة التي ستحكم غزة بعد الحرب.

وحسب الوثيقة، ليس لدى الاحتلال في الوقت الحالي أي مصلحة في تغيير الوضع، لكون وكالة “أونروا” تمتلك البنية التحتية اللازمة لتقديم المساعدات الضرورية والحاسمة لغزة خلال الحرب الدائرة.

 

كما زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه توجد أنفاق تابعة لحركة حماس أسفل مقر الأونروا الرئيسي في قطاع غزة، مضيفًا أن الحركة استخدمت المقر لتزويد أنفاقها بالكهرباء. وردًا على اتهامات تواجد أنفاق أسفل مقر الوكالة قال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني في تغريدة على موقع “X” إن “الأونروا لا تعلم ماذا يوجد تحت مقرها في غزة، وأنها على علم بالتقارير عبر وسائل الإعلام بشأن وجود نفق تحت مقر الأونروا في غزة”.

 

وأضاف: غادر موظفو الأونروا مقرهم الرئيسي في مدينة غزة بتاريخ 12 تشرين الأول/أكتوبر في أعقاب أوامر الإخلاء الإسرائيلية، واشتداد القصف في المنطقة، مؤكدًا أنه لم تستخدم الأونروا المقر منذ تركته، ولا علم لها بأي نشاط قد يكون حدث هناك، ولكن  خلال التقارير الإعلامية فهموا أن الجيش الإسرائيلي نشر قوات داخل المقر الرئيسي للأونروا في مدينة غزة.

 

وأشار إلى أنه في أوقات “عدم وجود صراع نشط”، تقوم الأونروا بالتفتيش داخل مبانيها كل ثلاثة أشهر، وتم الانتهاء من آخر تفتيش لمباني الأونروا في غزة في سبتمبر 2023.

 

أضرار في منشآت أونروا

بحسب تقارير صادرة عن الأونروا؛ فإن الاحتلال الإسرائيلي استهدف بشكل متعمد مدارس ومنشآت تابعة للأونروا منذ 7 من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وجرى الإبلاغ عن 335 حادثًا أثرت على مباني الأونروا وعلى الأشخاص الموجودين داخلها منذ بدء الحرب، (بعضها شهد حوادث متعددة أثرت على نفس الموقع) بما في ذلك ما لا يقل عن 50 حادثة استخدام عسكري و/أو تدخل في منشآت الأونروا. وقد تأثرت 155 منشأة مختلفة تابعة للأونروا جراء تلك الحوادث.

 

تقدر الأونروا أنه بالإجمال، قتل ما لا يقل عن 404 نازحين داخل ملاجئ الأونروا، وأصيب 1,385 آخرين على الأقل منذ بدء الحرب، ولا تزال الأونروا تتحقق من عدد الإصابات التي وقعت بسبب الحوادث التي أثرت على مرافقها، وتشير إلى أن هذه الأرقام لا تشمل بعض الإصابات التي تم الإبلاغ عنها؛ حيث لم يتسن تحديد عدد الإصابات.

 

أنتجت هذه المادة بالتعاون بين “مواطن” و”المهاجر

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى