تقاريرشكاوى

أطباء بلا حدود: السودان يعيش أزمة كارثية ومفتعلة

قالت منظمة أطباء بلا حدود في بيان لها إنه بعد عام من الحرب، ليست الإغاثة المقدمة لملايين الأشخاص سوى نقطة في بحر بفعل الحجز السياسي على المساعدات والذي تفرضه الأطراف المتحاربة وعدم تحرك الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية.

ووصفت ما يعيشه السودان بأنه ضمن أحد أسوأ أزمات العالم من عقود، إذ يواجه كارثة هائلة ومفتعلة بعد عام من بدء الحرب بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الحكومة، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. وأصبح السماح الفوري بالوصول الآمن إلى المساعدات الإنسانية مسألة حياة أو موت لملايين الأشخاص.

 

ملايين الأشخاص في خطر

ولفتت إلى أنه ملايين الأشخاص في خطر، إلا أن العالم قد غض الطرف فيما تمنع الأطراف المتحاربة عامدة الوصول إلى الإغاثة الإنسانية وإيصال المساعدات. وعلى الأمم المتحدة والدول الأعضاء مضاعفة جهودها في سبيل التفاوض على وصول آمن ومن دون عوائق ومن أجل توسعة نطاق الاستجابة الإنسانية لمنع هذا الوضع المأساوي أساسًا من التدهور أكثر.

 

وفي هذا الصدد يقول رئيس بعثة أطباء بلا حدود في السودان، جين ستويل، “الناس في السودان يعانون بشدة مع تواصل القتال العنيف، من تفجيرات وقصف وعمليات ميدانية في مناطق سكنية مدنية وفي القرى، وقد انهار النظام الصحي والخدمات الأساسية بشكل كبير أو تضررت بفعل الأطراف المتحاربة. وفقط 20 إلى 30 %من المرافق الصحية لا تزال تعمل في السودان، أي أن توفر الرعاية الصحية للأشخاص في كافة أنحاء البلاد محدود للغاية”.

 

وفي المناطق القريبة من أعمال العنف، عالجت فرق أطباء بلا حدود النساء والرجال والأطفال المصابين بشكل مباشر خلال القتال، سواء المصابون بالشظايا أو بفعل التفجير أو القنص أو الرصاص الطائش. ومنذ أبريل/نيسان 2023، استقبلت المرافق التي تدعمها أطباء بلا حدود أكثر من 22,800 إصابة بالغة وأجرت أكثر من 4,600 تدخل جراحي، والكثير منها مرتبط بالعنف الذي وقع في الخرطوم ودارفور. وفي ود مدني، وهي بلدة محاطة بثلاثة خطوط جبهات مشتعلة، نشهد حاليًا 200 مريض في الشهر بإصابات مرتبطة بالعنف.

 

8 ملايين نازح

وبحسب الأمم المتحدة، أُجبر أكثر من ثمانية ملايين شخص على الهرب من منازلهم ونزحوا عدة مرات، ويُقدَّر أن 25 مليون شخص – أي نصف سكان البلاد – يحتاجون إلى مساعدات إنسانية. ويضيف ستويل، “نرى كل يوم مرضى يموتون بسبب إصابات مرتبطة بالعنف، وأطفالًا يحتضرون بسبب سوء التغذية ونقص اللقاحات، ونساءً يعانين من المضاعفات إثر الولادات غير الآمنة، ومرضى ومريضات عانوا من العنف الجنسي، وأشخاصًا متعايشين مع أمراض مزمنة لا يمكنهم الحصول على أدويتهم. وعلى الرغم من كل ذلك، هنالك فراغ إغاثي مرعب”.

 

وعلى الرغم من أن أطباء بلا حدود تعمل بتعاون جيد مع وزارة الصحة، إلا أن الحكومة السودانية أعاقت عامدةً الوصول إلى المساعدات الإنسانية بشكل مستمر، خاصة في المناطق الواقعة خارج نطاق سيطرتها: إذ منعت وبشكل ممنهج إصدار تصاريح السفر للطواقم الإنسانية وعبور الإمدادات عبر خطوط الجبهة، وضيقت على استخدام المعابر الحدودية، ووضعت عملية مليئة بالقيود لإصدار التأشيرات الإنسانية.

 

ندرة الإمدادات الطبية

يقول إبراهيم، أحد الأطباء العاملين مع أطباء بلا حدود في الخرطوم، وهي المدينة الواقعة تحت حصار منذ ستة شهور، “يكمن تحدينا الأكبر اليوم في ندرة الإمدادات الطبية، فقد نفدت المعدات الطبية، ونحن على شفير إيقاف عملنا بالكامل ما لم تصل الإمدادات”. هذا وتعاني مدينة ود مدني من وضع مماثل للخرطوم منذ يناير/كانون الثاني.

 

وفي المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، حيث تنشط أيضًا الكثير من المليشيات والجماعات المسلحة، نُهبت المرافق الصحية والمستودعات بشكل متكرر خلال الأشهر الأولى من النزاع. ولا زالت الحوادث مثل السطو على السيارات تقع باستمرار ويعاني العاملون في القطاع الطبي – وخاصة من وزارة الصحة – من المضايقات والاعتقالات.

 

وفي المناطق التي يصعب الوصول إليها مثل دارفور والخرطوم أو الجزيرة، تجد أطباء بلا حدود نفسها وحيدة أو ضمن المنظمات الدولية الإنسانية القليلة المتواجدة هناك، فيما تجاوزت الاحتياجات قدرتنا على الاستجابة بأشواط. وحتى في المناطق التي يمكن الوصول إليها مثل ولايات النيل الأبيض والنيل الأزرق وكسلا والقضارف، فالاستجابة الكلية ضئيلة كقطرة ماء في البحر.

 

تعتبر أزمة سوء التغذية الكارثية في مخيم زمزم في شمال دارفور مثالًا حيًا، حيث لا توزيع للغذاء من برنامج الأغذية العالمي منذ مايو/أيار 2023. وقرابة ربع (23 %) الأطفال الذين فحصناهم هناك ضمن تقييم سريع في يناير/كانون الثاني وُجد أنهم يعانون من سوء التغذية الحاد – وسبع في المئة منهم حالات مستعصية. وكانت 40 % من النساء الحوامل والمرضعات يعانين من سوء التغذية، وكان هنالك معدل وفيات مروع في كافة أنحاء المخيم بلغ 2.5 حالة وفاة لكل عشرة آلاف شخص في اليوم.

 

يقول أوزان أغباس، مدير عمليات الطوارئ مع أطباء بلا حدود في السودان، “كان الوضع في السودان شديد الهشاشة أساسًا قبل الحرب وأمسى الآن كارثيًا. وفي الكثير من المناطق حيث أطلقت أطباء بلا حدود أنشطة الطوارئ، لم نشهد عودة المنظمات الدولية الإنسانية التي أجلت في أبريل/نيسان”.

 

اضطُرت خديجة محمد أبكر إلى الهرب من بيتها في زالنجي في وسط دارفور بحثًا عن الأمان. تخبرنا عن صعوبة النجاة من دون إغاثة إنسانية قائلة: “أثناء القتال، لم يكن هناك إمكانية للحصول على الرعاية الصحية أو الغذاء في المخيم. لقد بعتُ ممتلكاتي لكسب بعض المال لشراء الطعام”.

 

وفي حين أن هذه الظروف يصعب العمل معها، كان الأجدى بزيادة الاستجابة، لا تقليصها، خاصة في المناطق التي يمكن الوصول إليها. والحاجة طارئة إلى جهود متزايدة من كافة الجهات الفاعلة الإنسانية والمنظمات لإيجاد حلول لهذه المشكلات ولتوسعة نطاق الأنشطة في جميع أنحاء البلاد.

 

ويضيف أغباس، “استمرت الأمم المتحدة وشركاؤها بفرض قيود ذاتية على الوصول إلى هذه المناطق، ولم تتمكن في المحصلة حتى من الاستعداد للاستجابة أو تأسيس فرق في الميدان عندما تُتاح الفرص”.

 

تدعو أطباء بلا حدود الأطراف المتحاربة إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وبنود إعلان جدة الإنسانية من خلال وضع آليات لحماية المدنيين وضمان وصول إنساني آمن لجميع مناطق السودان من دون استثناء – والذي يتضمن إيقاف عراقيل وصول المساعدات والحجز عليها. تدعو أطباء بلا حدود كذلك الأمم المتحدة إلى إظهار المزيد من الشجاعة في وجه هذه الأزمة المهولة وإلى التركيز على نتائج واضحة ترتبط بزيادة الوصول كي يشاركوا بشكل فعال في إتاحة توسعة سريعة وكبيرة للإغاثة الإنسانية. كذلك تحث أطباء بلا حدود الجهات المانحة على زيادة تمويل الاستجابة الإنسانية في السودان.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى